كتاب " العقل المُحَاصر" للبروفيسور مروان دويري

لقد أهداني الصديق بروفيسور مروان دويري كتابه الأخير والذي صدر حديثاً تحت عنوان: " العقل المحاصر: أنماط التفكير المعيقة لنهضة المجتمع العربي". إصدار مسارات: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية، رام الله، ٢٠٢٥ والذي تسنى لي قراءة أجزاء كبيرة من مسودته ومخطوطته قبل نشره بالصيغة النهائية.

يشتمل الكتاب الذي يحتوي على ١٦٠ صفحة على مقدمة كتبها الأستاذ هاني المصري مدير مركز مسارات، ومقدمة أخرى للمؤلف. كما شمل خمسة فصول ،خاتمة وقائمة بالمصادر باللغتين العربية والإنجليزية.

يفتتح المؤلف مقدمتة بأن الكتاب يكشف:" أفكارًا شائعة ينطلق منها معظم الناس في مجتمعنا الفلسطيني والعربي، لتقييم الأحداث الشخصية والاجتماعية والسياسية التي يمرون بها، وبالتالي تحدد هذه الأنماط من التفكير، ردودهم العاطفية وطرق مواجهتهم لهذه الأحداث، علمًا أن نجاعة أنماط التفكير والمواجهة، تشكل عاملًا مهمًا في تحديد نتائج المعالجة والنضال ضد الظلم الشخصي أو الاجتماعي أو السياسي، وبالتالي تحدد هذه الأنماط مصير أصحابها وشكل مستقبلهم."

يعرض الكتاب توصيفا لمركبات ومكونات الثقافة العربية، ولأنماط التفكير والمواجهة السائدة، وتحليلًا لجذورها في التجربة الجماعية العربية بحسب ما يعتقده المؤلف، منذ الجاهلية حتى اليوم، معتمدًا على التوجهين النظريين النفسي والمنظومي- مستفيدا من مجالات تخصصية متعددة( كالفلسفة وعلم الإجتماع والسياسة والأديان والدراسات الثقافية)...إلخ بالإضافة الى مجال التحليل النفسي الذي هو مجال التخصص الأساسي للكاتب .

إن الحديث عن العقل العربي والثقافة العربية ومعيقات النهضة ومقوماتها طالما شغلت المفكرين العرب وخصوصاً في القرنين الأخيرين. كما كانت محط خلافات ووجهات نظر متعددة ومتنوعة وأحيانا متباينة ومتناقضة جدًا ودخول بروفيسور دويري هذا المضمار والإدلاء بدلوه وتقديم مساهمته وتحليلاته تعتبر خطوة مهمة كما أنها تشكل دعوة مُلِّحة لمواصلة هذا الحوار والتفاكر.

لا يمكن من خلال هذة المساحة الضيقة عرض وتحليل ونقد مجمل فصول الكتاب وخصوصا أنه كتاب واسع ومركب ويحتوي العديد من الطروحات النظرية والتطبيقات العملية والتمثيلات العينية، في مجالات متعددة وحقب زمنية متنوعة، نتفق مع جزء منها ونختلف مع أجزاء أخرى.

يقول دويري بصراحة بأن "الكتاب لا يهدف إلى إقناع القراء بالطرح الذي جاء به، بل أن يكون هذا الكتاب حافزًا للتفكير والجدل، أو أن يكون حجرًا يضاف إلى أحجار أخرى ضرورية لتحريك المياه الراكدة، وفتح باب الحوار والجدل، وبالتالي تحرك ديالكتيك التغيير والتطور نحو نهضة مجتمعنا".

نقدر جهود ومجهود دويري ودعوته للحوار المفتوح، ونتفق معه بضرورة التفكير بعمق بمعيقات النهضة وضرورة التطور العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص وخصوصا أننا نعيش بفترة من أسوأ الفترات التاريخية التي تعيشها المجتمعات العربية حيث تواجه تحديات وجودية وفكرية وحضارية وإنسانية في ظل نظام عالمي ظالم وأنظمة عربية فاسدة وسلطوية ومجتمع فلسطيني يرسخ تحت الإحتلال الغاشم. لذلك تصبح عملية التفكر والتدبر والتأمل فريضة وضرورة ُملِّحة.