X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
اجتماعيات
اضف تعقيب
27/07/2024 - 03:17:00 pm
لا تأخذوا النّعش عن كتفي بقلم: إياد الحاج كفرياسيف

لا تأخذوا النّعش عن كتفي

بقلم: إياد الحاج - كفرياسيف

(إلى الرّوحِ الشّابّةِ الأبيّةِ الّتي تأبى الضّيمَ وتخضعُ للحقِّ، والّتي تحملُ بعضًا منْ روحِ البلدِ وروحِ الشّعبِ، إلى روحِ سليمان شحادة الّتي لنْ تغادرَنا)

      عُذرًا منكم أيُّها الأحبّة، دعوا النّعشَ على كتفي، مسافةٌ قصيرةٌ أمامي، اتركوني أحملُ نعشي وأسيرُ بهِ نحوَ مثوايَ الأخيرِ، يُصلّي عليَّ رجالُ الدّينِ وسطَكم، تُقدِّمونَ التّعازيَ الحارّةَ وتمضونَ لشؤونِكم، وأبقى وحيدًا في مثوايَ، مقتولًا أمامَ أعينِ النّاسِ.

      يسيرُ موكبُ التّشييعِ بتُؤَدَةٍ وتثاقلٍ وشرودٍ غريبٍ، العيونُ تُخفِضُ أنظارَها، والأجسامُ هادئةٌ، لكنَّ النّفوسَ مضطربةٌ أيَّ اضطرابٍ. صيحاتٌ غاضبةٌ ساخطةٌ حانقةٌ تعلو بانفعالٍ شديدٍ في أرجاءِ الصّمتِ الثّقيلِ البطيءِ. الشّرطةُ تغلقُ الطّرقاتِ أمامَ المُشيّعينَ، بتظاهرٍ لافتٍ، سدّتْ جميعَ المنافذِ حولَ الجنازةِ، لكنّها لم تسدَّ الطّريقَ إلى قلبِ سليمانَ، أمامَ الرّصاصاتِ القاتلةِ!!!

      يتساءلُ المشيّعونَ بهمسٍ: ما هذا الوضعُ الّذي بلغناهُ، لم نكنْ نحلمُ بِهِ بأسوإِ أحلامِنا، حتّامَ يستمرُّ هذا الوجعُ؟!! لقد "بلغَ السّيلُ الزُّبى" أيُّها العربُ! مَنْ يملكُ القوّةَ لحلِّ المشكلةِ لا يُريدُ حلَّها، فإذا كانَ ابنُ جبير موكّلًا بحمايتِنا، فنحنُ نحتاجُ إلى مَنْ يحمينا مِنْهُ؛ ومَنْ يريدُ حلَّ المشكلةِ لا يملكُ القوّةَ السّلطويّةَ لحلِّها؛ إلّا أنّه يملكُ القوّةَ الشّعبيّةَ الّتي منَ الممكنِ أنْ تتحوّلَ بوحدتِنا، إلى قوّةٍ سياسيّةٍ ضاغطةٍ على أيِّ سلطةٍ مركزيّةٍ منْ أجلِ تطبيقِ الحلولِ الشّافيةِ للجراحِ النّازفةِ، ولعلَّ دماءَ سليمانَ تكونُ محرّكًا لوحدةِ الصّوتِ الّذي يعلو زئيرًا في أرجاءِ البلادِ، وفي قلوبِ العبادِ.

      حضرتِ القريةُ كلُّها عن بكرةِ أبيها وأمّها، تشاركُ في الوداعِ، تُلوّحُ بعيونِها الدّامعةِ الخاشعةِ الوادعةِ، تودّعُ الفارسَ والأمْنَ والأمانَ والطّمأنينةَ والاطمئنانَ، تودّعُ الحرّيةَ الخّاصّةَ والعامّةَ، تودّعُ بساطةَ الماضي ولا تستوعبُ تعقيداتِ الحاضرِ، فقد تداخلتْ تفاصيلُ الأحداثِ الجاريةِ، وأشغلتِ الخاطرَ، ونحنُ نحتاجُ بعضَ هدوءِ النّفسِ لترتيبِ الأفكارِ والمشاعرِ وتحويلِها إلى فعلٍ يُمهّدُ للحلّ المأمول.

      في طريقِ الموكبِ الجنائزيِّ كانَ المشيّعونَ يُبطئونَ المسيرَ قاصدينَ، يحاولونَ استيعابَ الفاجعةِ، يكذّبونَ الحقيقةَ ويتعلّقونَ بالوهمِ، ربّما نزلَتْ بالنّعشِ صاعقةٌ أعادتِ النّبضَ إلى الجثمانِ، ربّما استيقظَ سليمانُ من غفوتِهِ وفتحَ بابَ التّابوتِ يطلُّ علينا من فوقِ أكتافِنا، ربّما عطسَ سليمانُ عطسةً تكسِّرُ جدرانَ التّابوتِ الخشبيِّ إِرْبًا إرْبًا، ربّما يتحوّلُ المأتمُ إلى عرسٍ نحملُ فيهِ العريسَ على أكتافِنا فرحًا وبهجةً ونَشْوَةً؛ ولكنَّ الطّريقَ بينَ الحُلمِ والعِلْمِ قصيرةٌ، أقصرُ منَ الطّريقِ بينَ الكنيسةِ والمقبرةِ.

      يتركُنا سليمانُ مغدورًا مُباغَتًا في قلبِ المفاجأةِ الصّادمةِ، وهو مشغولٌ بحبِّ أمّهِ لوسيّا، وأختِهِ نانسي، وأخويهِ: كابّوتشي وعماد، نعم، لم يُشغلْهُ خطرُ الموتِ عنْ حُبِّ أهلِهِ؛ مات على حبِّهِ الكبيرِ للعائلةِ الكريمةِ، فماذا يُشغلُنا، نحنُ الباقينَ، عن الذّودِ عن خيرةِ شبابِنا الّذينَ تركَهم سليمانُ أمانةً في أعناقِنا، ماذا يُشغلُنا عنْ حُبِّنا الكبيرِ لخيرةِ أبنائِنا؟!!

      إنّ روحَكَ يا سليمانُ من روحِ كفرياسيفَ الجميلةِ، منْ روحِ مجتمعِنا الأصيلِ النّبيلِ الجليلِ، وهي خالدةٌ لا تموتُ، تنتقلُ ناطقةً بأسمى القيمِ من جيلٍ لجيلٍ؛ روحُكَ من روحِ بلدِنا ومجتمعِنا تظلُّ حيّةً في ملامِحِنا وفي صفاتِنا، وفي حياتِنا. عزاؤنا في رحيلِكَ المكتملِ يا ابنَ الأربعينَ، بما تركتَ لنا من حُبٍّ لأمِّكَ وإخوتِكَ، عزاؤُنا باحتضانِ القريةِ لكَ كلِّ القريةِ، عزاؤُنا بالأمل أن تكونَ دماؤُكَ لُحمةَ وحدتِنا خلفَ مصالحِنا العامّةِ، وعلى رأسِها الأمنُ والأمانُ حفاظًا على بقائِنا الكريمِ. عزاؤُنا بحبِّ عائلتِكَ الصّغيرةِ والكبيرةِ لَكَ، هذا الحبُّ الخالدُ.

27/7/2024




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت