X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
اجتماعيات
اضف تعقيب
02/08/2024 - 08:38:27 pm
عصام جرحُ مجتمعِنا النّازفِ كتب : د.اياد الحاج - كفر ياسيف 

عصام جرحُ مجتمعِنا النّازفِ

(لروح المرحوم المغدور عصام سالم)

كتب : د.اياد الحاج - كفر ياسيف 

 خَتَمْنا اليومَ على مقتلِ عصام، ثلاثةُ أيّامٍ منَ الفاجعةِ الصّادمةِ، والقلبُ ما زالَ حزينًا، والوجهُ ما دامَ مندهشًا واجمًا صامتًا، كيفَ نصدّقُ ما يحصلُ؟! لم يكنْ هناكَ مقدّماتٌ تُحضّرُ نفوسَنا للبلوى، سقطتْ علينا كالصّاعقةِ، ونحن في عزِّ الصّيفِ، ففطرتِ القلبَ، وحرقتِ النّفسَ، ولم يتلُها مطرٌ من السّماءِ، وإنّما من عيونِ الثّكلى سعاد، ومن عيونِ الأيتام: سعاد وفايز ومحمّد وعزّ الدّين، ومن عيونِ الأخواتِ الثّلاثِ المكلوماتِ، ومن عيونِ الجيرانِ والأقاربِ والأنسباءِ والأصدقاءِ والمحبّينَ المغدورينَ.

ليسَ سهلًا أن نكتبَ عنْ آلامِنا وأحزانِنا ساعةَ المصابِ، فالعقلُ كالمعدةِ يحتاجُ إلى اكتمالِ محطّاتِ الهضمِ، وإلى تناوبِ الإفرازاتِ المساعدةِ، وإلى بعضِ الوقتِ حتّى يهدأَ الاضطرابُ في أجزاءِ المعدةِ. ثلاثةُ أيّامٍ ولمْ تكفِ لنهضمَ الحدثَ، فالأمرُ أعقدُ من هضمِ الأمعاءِ للطّعامِ، إنّه هضمُ سلوكِ الإنسانِ تجاهَ أخيهِ الأنسانِ؛ لكنَّ التّعبيرَ لا يحتملُ التّأجيلَ أكثرَ، فسلوكُ الإنسانِ لا يُمهلُ الضّحايا، يُسقطُهم منَ العقدِ حبّةً حبّةً، فلما تجفَّ دماءُ سليمانَ بعدُ، لتنزفَ دماءُ عصام، النّزيفُ يسيلُ من خاصرةِ مجتمعِنا دونَ توقفٍ.

سمعتُ منَ المعزّينَ عنْ نخوةِ عصام، نخوةٍ عربيّةٍ أصيلةٍ، في زمنِ يتحلّلُ فيه كثيرونَ من أصالتِنا العربيّة المجيدةِ؛ أصغيتُ إلى أصدقائِهِ وجيرانِهِ وهم يتحدّثونَ عن التزامِهِ بعملِهِ، واستعدادِهِ الدّائمِ للمساعدةِ، وبتعلّقِهِ بعائلتِهِ وبوالدتِهِ، فقد تحمّل المسؤوليّةَ بعدَ وفاةِ أبيهِ فايز شابًّا، وهو مازالَ في سنواتِهِ السّبعِ؛ ورغمَ كلِّ ما واجهَهُ عصام كانَ مرحًا، حلوَ المعشرِ، جميلَ المحضرِ؛ وقالَ الشّيخُ أحمد ناطور أنّ الابتسامةَ لم تفارقْ مُحيّاهُ حتّى بعدَ وفاتِهِ، بلْ كانت تملأُ وجهَهُ، وكانَ جثمانُ عصام يطاوعُ الشّيخَ أثناءَ تغسيله، قبلَ الجنازةِ.

نبكي معكِ يا أختي سعاد، أيّتُها الوالدةُ، الصّبورُ، الأرملُ، الثّاكلُ، ونتعلّمُ منكِ الصّبرَ الجميلَ على قساوةِ القدرِ، والتّحمّلَ الطّويلَ لمصائبِ الدّهرِ؛ لا حاجةَ للذّهابِ بعيدًا لتعلّمِ هذهِ القيمِ، لنلتفتْ حولَنا، ونرى جيرانَنا وأهلَنا كيفَ يواجهونَ المصائبَ، ليكونَ درسًا حيًّا أفضلَ منَ الكثيرِ منَ المواعظِ؛ هؤلاءِ هم مدرسةُ الحياةِ، يسدّدونَ دمَهُم ثمنًا، ويمنحونَنا العبرةَ بالمجّانِ، فدمتُم أساتذةً لنا في هذهِ المدرسةِ؛ وهلْ نعتبرُ!

تتوالى علينا المصائبُ، ولا تُمهلُنا لالتقاطِ الأنفاسِ، ما أن ندفنَ أحدَ أبنائِنا حتّى يَقتلونَ ابنَنا الآخرَ، بالأمسِ دفنّا ابنَنا المغدورَ سليمان، واليومَ ختمْنا على ابنِنا المغدورِ عصام، ولمّا ينتهِ الأسبوعُ بعدُ؛ فإذا كانت السّلطةُ لا تريدُ الخيرَ لنا، بل هي تغذّي الشّرَّ بينَنا؛ فلماذا لا نبادرُ نحن لنشرِ الخيرِ، وإصلاحِ ذاتِ البينِ بينَ الأطرافِ المتنازعةِ، وحلِّ المشاكلِ قبلَ أن تتفاقمَ وتحرقَ نفوسَنا بحصدِ أرواحِ أبنائِنا، لنحرصَ على سلامِنا الدّاخليِّ، في ظروفٍ تهدّدُ وجودَنا في بلادِنا؟!

أمّا موقفنا من كلّ الأذرعِ الأمنيّةِ الَتي يجب أن تقومَ بدورِها في القضاءِ على الجريمةِ، وفي جمعِ السّلاحِ من أيدي النّاسِ، فيجبُ أن يرتقيَ ويتصاعدَ بما يُلائمُ حجمَ الظّاهرةِ المستفحلةِ. إنَّ دماءَ عصام ما زالتْ تنزفُ حتّى بعدَ أن ختمْنا اليومَ على مقتلِهِ ولمَا يتجاوزِ الأربعينَ، وستظلُّ تنزفُ حتّى يتوقّفُ تذريفُ دموعِ الثّكالى والثّواكلِ على أبنائِنا.

عزاؤنا بما تركَهُ لنا عصام منْ محبّةٍ للعائلة والأصدقاء، ومنْ حبٍّ للإغاثةِ والمساعدةِ، ومن نخوةٍ أصيلة، ومن احترامِ الأمِّ والأخواتِ الثّلاثِ، والزّوجةِ والأبناءِ، ومن تحدٍّ للمصاعبِ والمصائبِ، عزاؤُنا بالتفافِ الأحبّةِ والأصدقاءِ والأقاربِ حولَ العائلةِ الكريمةِ. إنّ ذكرَكَ الطّيّبَ باقٍ فينا يا عصام!

2/8/2024  




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت