تواصل معنا عبر الفيسبوك
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بقلم: رانية مرجية
في سنة لا تقيسها الساعات، عند حافة الألفية الرابعة، كان الزمن قد فقد معناه القديم، وصار يُقاس بعدد النسيانات التي أصابت البشر. المدن أصبحت عائمة في فضاء من ضوء، والخرائط طُويت كأوراق قديمة، إلا خريطة واحدة… خريطة محفورة في وجدان أرواح لا تعرف الفناء.
في أرشيف كوني اسمه الذاكرة الأولى، كانت الأرواح التي هُجّرت عام 1948 ما زالت تحيا، محفوظة كقصائد لم تُقرأ بعد. هناك، كان الحكيم جورج حبش يجلس تحت شجرة زيتون لا ظل لها، يكتب على ورق من ضوء:
"الوطن فكرة… والفكرة إن نجت من النسيان، تعود."
لم يكن أحد يعرف إن كنا أحياء أم أموات. كنا نرى صور البيوت التي هُدمت، ونسمع خطى الفارين على طرق لا تنتهي، ونشم رائحة قمح أُحرق قبل الحصاد. كل ذلك لم يكن في الماضي، بل في الحاضر، في المستقبل، في زمن بلا فواصل.
في ذلك اليوم، ظهرت فجوة في نسيج الضوء، أشبه بجرح قديم فُتح من جديد. قال لنا الحكيم:
"هذه ليست طريقًا… هذه ذاكرة تبحث عن جسد."
عبرنا الفجوة، وعدنا أجسادًا من لحم ودم. لكن الأرض لم تكن كما تركناها، ولا نحن كنا كما كنّا. الزيتون أكبر، لكن ظله أقصر. البحر أوسع، لكن موجه أكثر صمتًا. ورغم ذلك، كل حجر في الطرقات كان يعرف أسماءنا.
لم ندخل إلى البيوت… البيوت هي التي دخلت فينا. لم نمشِ على الأرض… الأرض هي التي مشت إلينا. فهمنا عندها أن العودة ليست رجوعًا إلى مكان، بل عودة المعنى إلى الروح.
في المساء، جلس الحكيم بيننا، صامتًا، حتى أضاء القنديل الأول. ثم همس بصوت يكاد لا يُسمع:
"في سنة 3000، لم نرجع إلى الوطن… الوطن هو الذي عاد إلينا."
رانية مرجية - تلفون 7077060-054
كاتبة اعلامية وموجهة مجموعات
