تواصل معنا عبر الفيسبوك
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عُمّال يقيمون في الصرح الادبي الشاهق*
بقلم:ناجي ظاهر
ساهم العُمّال في مختلف الحضارات والثقافات، بإعلاء الصرح الادبي لشعوبهم وللإنسانية بصورة عامة، ونحنُ عندما نتمعّن فيما انتجته هذه الحضارات وتلك الثقافات من ابداع ادبي في جميع المجالات، لا بُدّ لنا مِن أن نلاحظ أن لليد العاملة التي أعلت وأشادت المباني والعمائر الشاهقة فضلا واي فضل في إعلاء الصرح الادبي في بلادهم وفي العالم اجمع كما سلف القول، وقد يكون من الكافي في هذا المجال ان نشير إلى الكاتب الروسي العظيم مكسيم جوركي وانتاجه الخالد في المجال الادبي، لنتأكد مما نقوله ونذهب اليه.. فقد أمضي هذا الكاتب الخارق للعادة ردحا مديدا من حياته عاملا متنقلا من ورشة الى أخرى. الامر الذي دفعه للقول ان الناس والكتب جامعتي.
حياتنا الأدبية والثقافية عامة، شهدت مثل هذه الايدي التي بنت وعمّرت وأشادت، وكان لها يدٌ طُولى في العديد من الاضافات الأدبية المشهودة والمشهود لها. لقد عاش أصحابُ هذه اليد او الايدي، معانيات كبيرة من أجل توفير المقدرة على التوفيق بين معانيات العمل نهارًا، ومرافقة الكلمات الحبيبات ليلًا، وقد ربطت كاتب هذه السطور بحكم موقعه الاجتماعي ابنًا لعائلة مهجّرة ومُحرّرًا صحفيًا ادبيا خلال ما يُقارب نصف القرن من حياته، ربطته علاقات مكّنته مِن أن يلمس لمس اليد والاذن، معاناة هؤلاء وافراحهم الصغيرة، كلّما توفّقوا في نشر هذه المادة الأدبية أو ذلك الكتاب الذين حلموا به وبات بإرادتهم وتصميمهم، وإيمانهم العميق أيضًا، واقعًا وحقيقة ملموسة. فيما يلي أقدّم ثلاثة أصوات جميلة ملأت حياتنا انتاجًا وابداعًا، مفضلة سهر الليالي والقلق بكتابة هذه القصيدة أو تلك القصة، على كلّ اغراءات الحياة الطيبة لكن العابرة. لقد اكتوى هؤلاء بنار التجربة الحياتية اليومية الرهيبة التي فرضت علينا في هذه البلاد، مضافًا إليها مُعاناة العمل ذاته، الأمر الذي أعطى ما انتجوه من ابداع أدبيّ نكهة خاصة ولا تخفي، مع بعض التفاوتات التي يفرضها الابداع الادبي عادة فيما بين أصحابه. ولنبدأ مع الفارس الاول:
إدمون شحادة (1933- 17-12-2017) من الناصرة: كما يُلاحظ من قائمة انتاجه كان هذا المبدع المسكون بهمّ الابداع الادبي بكلِّ أنواعه وأجناسه، متعدّد المواهب، فهو شاعر، كاتب مسرحي وروائي وكاتب غنائي أيضًا. عمل ادمون حتى أواخر الستينيات في مهنة النجارة، وكان ضيّقًا بعمله هذا، وطالما استمع كاتب هذه السطور إليه وهو يقول له، إنه أمضى حوالي العشرين سنة من عمره، يعمل نجّارًا في أحد الكسيبوتسات، وانه كان كل صباح يتوجّه فيه إلى عمله هذا، يضرع إلى الله أن يخلّصه منه، ومع هذا كلّه كان ادمون آنذاك واحدًا من الناشطين في الكتابة والنشر والتحمس للمسرح محبوبه الأول. وضعُ كاتبِنا هذا بقي على ما هو عليه الى ان قام بمغامرته الحياتية الُكبرى، فقام ببيع قطعة من الأرض تُشكّل امتدادًا لبيته، وافتتح مكتبته التي آثر أن يطلق عليها اسمًا يتواءم مع رؤيته للحياة والادب، هو المكتبة الحديثة. في هذه المكتبة كنت وآخرين ضيوفًا على مدار قُرابة رُبع القرن من الزمان، وبإمكان مَن يُود التوسّع في هذا الموضوع قراءة ما كتبناه عنها في كتابنا اجنحة الذاكرة، تحت عنوان روعة الادب في المكتبة الحديثة. لقد تمكن ادمون فيما بعد مِن استعادة قطعة الأرض التي باعها، ضامًّا إياها الى بيته، وهذه قصة أخرى قد أرويها في مناسبة أخرى. عرف ادمون بإنتاجه الادبي الغزير وبإمكان مَن يود أن يتمعّن في عناوين أعماله الأدبية المُرفقة ليرى إلى أنه كان مسكونًا بأمرين أحدهما الوطن والآخر الحداثة.
تنوعَ إنتاجُ إدمون شحادة الأدبي بينَ شعرٍ ومسرحٍ ورواية، ومِنها: في الشعر:* تلاحم الوجوه والمعاني (1973)* حين لم يبق سواكِ (1975)* أصواتٌ متداخلة (1981)* قمرٌ بوجه مدينتي (1985)* صهيل المطر (1989)*مدارات الغسق (1992)* مواسم للغناء وجراح للذاكرة (1994)* الخروج من مرايا العشق والترحال (1996)* لم يعد الوقت حارسًا (2000)*على ورقٍ ناضجٍ مختمر (2005)/ في المسرح:* برج الزجاج (1974)* سور البلالين (1975)* الصمت والزوال (1978)* القديسة (1980)* بيتٌ في العاصفة (1982)* الخروج من دائرة الضوء الأحمر (1986)* زهرة الكستناء (1990)* الزائر الغريب (2000)* عندما غاب القمر (2005)/ في الرواية:* الطريق إلى بيرزيت (1988)* الغيلان (1994).
فتحي القاسم (أواسط الاربعينيات- اطال الله في عمره) من الناصرة: شاعرنا هذا أيضًا، بقي يعمل حتى تقاعده في مهنة النجارة، وقد ربطتني به علاقة، تستحق تفاصيلها أن تُروى، فقد لفتت نظري، أنا المهووس بالأدب والقراءة، خلال مطالعاتي المتواصلة لصحافة الحزب الشيوعي (صحيفة الاتحاد ومجلتي الجديد والغد تحديدا)، قصائد غنائية ثورية موقّعة باسمه، ولا أخفي أنني كنت عادةً ما اشعر بشيء من السعادة، كلّما فتحت هذه الصحيفة أو تلك المجلة، ورأيت فيها قصيدة مِن انتاجه. هذا الانتاج الساحر في تلك الفترة دفعني للبحث عن صاحبه في الحارة الشرقية من مدينتي المحبوبة الناصرة، وتوجّهت إلى بيت فتحي القاسم هناك، لأجلس إلى والده ولأكتشف، أنني إنما دخلت بيتَ جارٍ قريبٍ من بيته ويحمل الاسم ذاته. مع هذا لم ايأس، وواصلت البحث عنه حتى توصّلت إليه لأتفاجأ بأنه الشقيق الأكبر لواحد من أصدقائي الكتاّب، هو عفيف صلاح سالم، كان مِن الصعب عليّ أن اربط بين الشقيقين لاختلاف واضح في الاسمين، غير أنني ما لبثت أن تمكّنت مِن تفكيك هذا اللغز اللطيف، فقد فضّل عفيف الاسم الثلاثي، في حين فضّل أخوه الشاعر ربط اسمه باسم عائلته الكبيرة. كان ذاك اللقاء الأول بشاعرنا المسكون بالشعر وبالشاعر توفيق زياد ابن الحارة الشرقية من مدينتي الناصرة طابت ذكراه وبالوطن. وقد كان اللقاء الأول بفتحي لقاءً دافئًا، الامر الذي دفع لتواصل اللقاءات فترة مديدة من الزمن، وقد ترافقنا في الكتابة، لا سيّما في صحيفة الجماهير وابنتها مجلة الآداب، اللتين أصدرهما أخوه الكاتب عفيف صلاح سالم فترة ليست قصيرة من الزمن. وأذكر بالمناسبة أننا، نحن الأصدقاء الثلاثة، قمنا بإجراء مقابلة مع الكاتب الوطني الكبير ابن مدينتنا المحامي المرحوم توفيق معمر صاحب رواية مذكرات لاجئ او حيفا في المعركة، انا وفتحي قمنا بإجراء المُقابلة عبر تسجيلنا لها، وعفيف قام بنقلها على الورق. رحم الله عفيفًا، واطال بعمر فتحي. لفت نظري وأنا أبحث عن مواد تتعلّق بشاعرنا عبر شبكة البحث العالمية الالكترونية غوغل، أن الصديق الكاتب المرحوم شاكر فريد حسن، قد كتب مقالًا لطيًفا عن فتحي وشِعره محمّلًا إياه عنوانًا آسيًا هو :" فتحي القاسم الشاعر المنسي"، هذا المقال نشر في أكثر من موقع الكتروني، ويشكل مدخلًا جيدًا للدخول إلى حياة شاعرنا وعالمه الادبي. لذا أحيل عليه مَن يُريد التوسّع في القراءة لشاعر منسيّ لكنْ مبدع.
مؤلفاته: *شامة على خد الوطن. *في حضرة الشعر.
مفيد قويقس (1958- 4- كانون الثاني 2019) من يركا: رغم أنني قرأت العشرات من قصائده الطنانة الرنانة، في صحافة الحزب الشيوعي، تحديدًا الاتحاد الجديد والغد، إلا أنني لم أتعرّف عليه إلا في السنوات الأخيرة من عمره القصير نسبيًا( لم يعش سوى ستين عامًا !)، لقد جمعتني بهِ لقاءات عديدة وقد تمّ جُلّ تلك اللقاءات في هذه الأمسية الأدبية أو تلك، وتمّ مُعظمُها إذا لم يكن كلُّها برفقة الشاعر يحيى عطاالله، ابن بلدته ورفيق عمره كما ردّد أمامي أكثر مِن مرّة، ولفت نظري منذ البداية أن شاعرنا كان يعترف لصديقه يحيى عطاالله بالفضل، فهو يقرأ كلّ ما أكتبه مِن أشعار، قبل نشري لها وعادة ما آخذ بنصيحته وملاحظته لا سيّما فيما يتعلّق بالأوزان الشعرية، فأنا أكتب أشعاري مُنساقًا وراء موسيقى أحبها وأعرفها، لكنني لم أتمكن من دراستها جرّاء الظروف المعيشية الصعبة التي عشتها، ولم تمكنني بالتالي من الدراسة العليا، كما هويت ورجوت، قال لي هامسًا في أذني في واحد من اللقاءات القليلة معه. كلماته هذه المُعترفة بالفضل للصديق في زمن لا يعترف به أحد بالفضل لأحد، رفع أسهم شاعرنا في عيني، ويبدو أنه لاحظ اهتمامي به فما إن كان يراني حتى يأتي إلى مرافقًا إياي في المجلس وفي الاستماع إلى ما يُلقيه الشعراء المساهمون في الأمسية من أشعار. وفي هذا السياق أذكر أنه كان مُرحّبًا بكلّ ملاحظة ومحاولا الاستفادة منها، لا يُضايقه نقد ولا يُرضيه إطراء، كلّ ما ينشده هو أن نكون صادقين فيما نقوله له. مما أتذكّره ولا انساه بالمرّة، تلك الأمسية التي جمعتني به، في إحدى قرانا، لنستمع معًا إلى مَن يُعلي صوته مِن على المنصّة قائلًا إن الشعر هو لغةُ اللهِ على الأرض، وعندما استمع إلى مُلاحظتي الهامسة وهي: هذا الكلام لا ينطبق على كلّ ما نستمع إليه مِن شِعرٍ، خاصة في بلادنا، حتى أهاب بي أن ارفع صوتي بذلك النقد. رحم الله مفيدًا كان شاعرًا فيه الكثير مِن التواضع والوفير مِنَ الانفة، وقد فأجاني الصديق المُشترك لي وله يحيى عطا الله إنه كان يعمل طوال حياته بلّاطًا، يُجمّل أرضيات البيوت ويُسهّل على أهاليها المسير، طالبًا منهم أن يُخففوا من وطئهم.. عملًا بقول حكيم المعرّة وشاعرها العظيم.
وضعَ مفيد عددًا من المؤلفات، منها: *"على ضفاف جرحي نما الزيتون والغار" * "الغضب" * "ذاكرة انتظار" * "عشريات ومقطوعات" *" بكلتا يدي".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ملاحظة: اكتفي بهذا القدر من الذكريات، مُحيلًا َمن يُود التوسّع في المعلومات والملاحظات الأدبية على ما أنتجه هؤلاء، على الشبكة العنكبوتية الالكترونية العالمية غوغل المعروفة بعطائها الثرّ وبإغنائها الشعر والفكر. سأعود.
*انظر مقالتنا السابقة " عُمّال وكتّاب أيضًا".


