تواصل معنا عبر الفيسبوك ![]() | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
بقلم:أمجد شبيطة - سكرتير الجيهة القطرية
تصوت الهيئة العامة للكنيست، في الـ 14 من تموز الجاري، على اقتراح إقصاء الرفيق والنائب أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير عن البرلمان، وفي حال صوت 90 نائبا على هذا الاقتراح سيكون عودة أول نائب في تاريخ الكنيست يتم إقصاؤه، وعلى ماذا؟ على مجرد أنه "تجرأ" قبل نحو 5 أشهر على إبداء "فرحته" الإنسانية الفطرية لتنفيذ صفقة التبادل والإفراج عن المختطفين والأسرى!
ولا بأس من التذكير بأن هذه هي المرة الثانية التي تصوت فيها الهيئة العامة للكنيست على إقصاء أحد نوابها، وأما المرة الأولى فكانت قبل عام واحد فقط، عندما أوصت لجنة الكنيست البرلمانية بإقصاء الرفيق د. عوفر كسيف انتقاما لمواقفه ضد الحرب - إلا أن التصويت حينها لم يمر في الهيئة العامة بعدما صوت 86 نائبا "فقط" على أمر الإقصاء ونقصت 4 أصوات.
استهداف نائبين جبهويين خلال هذه الفترة القصيرة، ولأول مرة في تاريخ الكنيست، ليس وليد الصدفة وخاصة أن الكتلة كلها في مرمى نيران اليمين الفاشي كونها صاحبة الصوت الأوضح والأجرأ ضد مقتلة التجويع والإبادة في غزة، كما أنها كانت الوحيدة التي رفعت صوتها منذ اللحظة الأولى لفتح الهجوم على أيران، ضد هذه المقامرة الإقليمية، مع تأكيد موقفها الثابت من اجل الحلول السياسية ورفض جميع دروب الحرب بحزم.
في نفس الأسبوع الذي صوتت فيه لجنة الكنيست البرلمانية على إقصاء عودة، صوتت لجنة "الأخلاقيات البرلمانية" على فرض عقوبات عليه وعلى زميلته في الكتلة، الرفيقة عايدة توما-سليمان، وبينما كنا منشغلين بسيل الحقد في الجلسة، كان رفيق لنا، قيادي شاب في الجبهة الطلابية في جامعة حيفا، يمثل لتحقيق مخابراتي استفزازي، وهو أمر بات مألوفا منذ اندلاع الحرب على غزة: اعتقالات وتحقيقات بالجملة لقيادات وكوادر الجبهة والحزب الشيوعي، اقتحامات متكررة لمقرنا في الناصرة وأمر إغلاق لأحد مقراتنا التاريخية في حيفا، ومحاولات مباشرة وملتوية لمنع عقد الهيئات السياسية والتنظيمية للجبهة، إلى جانب التحريض السياسي والإعلامي المتواصل الذي قد يصل في ظل الأجواء الفاشية في البلاد، إلى محاولات إخراج الجبهة وما تمثله -إلى جانب الحزب الشيوعي- عن القانون، في محاولة لتنفيذ ما أسميناه تاريخيا بمخطط الترانسفير السياسي تمهيدا للترانسفير الفعلي!
الجبهة وإن كانت رأس الحربة في هذه المواجهة، إلا أنها ليست الوحيدة، فالقيادة الوطنية لجماهيرنا العربية تواجه تحديات جسيمة، تنعكس بالتحريض المتواصل على لجنة المتابعة ورئيسها الرفيق محمد بركة، وبملاحقة قياديين بارزين فيها، ففي هذا الأسبوع أيضا كانت هنالك محاكمات لكل من القيادي في أبناء البلد، المعتقل إداريا، رجا اغبارية وإدانة بالتحريض للشيخ كمال خطيب، القيادي في الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، فيما تنفذ بشكل شبه يومي الاعتقالات لمواطنين عرب على أتفه الأسباب، بينما لا يشعر بالأمن والطمأنينة في مجتمعنا إلا من ينهشون بلحمنا من عصابات الإجرام المحمية من المؤسسة الاسرائيلية بشكل باتت الكثير من الأدلة تثبته.
سيكتب التاريخ الكثير عن تدهور ثقافة الحوار في البرلمان الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع السقوط الحر والسريع لإسرائيل -المجتمع والمؤسسة- نحو الفاشية، ولا شك أن فصلا خاصا سيخصص للمداولات في لجنة الكنيست البرلمانية حول إقصاء الرفيق أيمن عودة، لما شهدته من انحطاط وغوغائية وعربدة، بدأت منذ اللحظة الأولى من الجلسة الأولى للنظر بالإقصاء، والتي افتتحها رئيس اللجنة بوصف عودة بأنه "الجبهة الثامنة التي تحارب دولة إسرائيل" مع ما يحمله هذا المصطلح من تحريض دموي لا يقبل التأويل ضد عودة والجمهور الواسع الذي يمثله -مجتمعنا العربي والقوى التقدمية اليهودية- لمجرد التعبير عن موقف سياسي لا يروق للأغلبية.
ورغم أن التحريض على عودة والنواب العرب واليهود التقدميين ليس جديدا، إلا أنه لا يمكن تجاهل ما وصله من تصاعد هستيري خطر مؤخرا، وبالأخص للتغطية على الفشل بحسم المعركة في غزة بصورة نصر لنتنياهو بالبزة العسكرية، لكن هذا ليس إلا جزءا من المشهد، فالعداء للعرب مقرون بالعداء الفاشي للديمقراطية والقانون بل ولأصناف معينة من اليهودية، بما فيها اليهودية الصهيونية، وكأن وصفة طبخ "سم الفاشية" لم تتغير بمركباتها الأساسية على مر العقود!
وإليكم ثلاثة مشاهد تجسد ذلك من جلسة واحدة استمرت 3 ساعات فقط: الأول، عندما تسمع نائبا مغمورا من حزب الصهيونية اليهودية يتوعد بحقد واستهتار أحد زملائه قائلا له بأن حقه بالتعبير عن رأيه مكفول بشكل مؤقت فقط، وهذا الكلام لم يوجه لنائب عربي أو يهودي شيوعي، إنما إلى نائب يعتبر نفسه أكثر يهودية وصهيونية من ممثلي "الصهيونية اليهودية" مجتمعين هو الراب جلعاد كاريف، وأما المشهد الثاني والذي تكرر أكثر من مرة زعيق بعض العنصريين تجاه عودة والنواب العرب بأنهم "في أنظمة أخرى كانوا سيشنقونكم في ساحة المدينة"، هذا الكلام ليس جديدا علينا، لكنه في السابق كان يقال من باب الفخر بـ "الدمقراطية الإسرائيلية" والاحتقار لتلك الأنظمة وأما اليوم فيقال من باب الفخر بتلك الأنظمة والاحتقار لـ "الدمقراطية الإسرائيلية"!
واما العداء للقانون فقد وصل إلى حد إرباكه وإخراسه، تماما كما كانت حالة المستشارة القضائية للكنيست والتي لم تجرؤ على قول كلمتها بشكل واضح، علما أنه ما كان في السابق ليمر موقف مناقض لكلمة القانون ومن كان يصوت بعكس موقف المستشارة القضائية كان هو من يشعر بالحرج بينما اليوم المشهد معكوس!
خلال متابعة سير المباحثات في لجنة الكنيست، لا مفر من التمعن بمفاهيم الوحدة الوطنية والشراكة العربية اليهودية، فمن جهة قام عضوا لجنة الكنيست، النائبان وليد طه وأحمد الطيبي، بدور شجاع وهام بالتصدي لافتراءات وأكاذيب اليمين الفاشي وكانا الوحيدين من بين أعضاء اللجنة ممن صوتوا ضد قرار الإقصاء مقابل 14 نائبا أيدوه وامتناع نائبة واحدة.
وهذا المشهد يؤكد جوهر ومفهوم الوحدة الوطنية الحقة التي نؤمن وننادي بها في الجبهة: نريدها وحدة كفاحية، لا تقنية، إنما مبنية على قاعدة راسخة من التفاهمات السياسية بين مختلف التيارات الفاعلة على مستوى الجماهير العربية والتي لا ترعوي الفاشية للحظة عن مهاجمتها مجتمعة أو متفرقة، والأمر نفسه ينطبق على الشراكة العربية اليهودية، فحتى إن خلت الكنيست أو كادت من قوى يهودية ديمقراطية وازنة ومركزية، فإننا لا نملك ترف التطوع إلى عزل أنفسنا وتنفيذ ما يريدونه لنا من ترانسفير سياسي، ولعل المشهد هذا الأسبوع أمام الكنيست كان واضحا بوجود المئات من العرب واليهود ممن اختاروا ترك انشغالالتهم في وسط النهار ووسط الأسبوع للتظاهر ضد محاولة الإقصاء، بينما داخل قاعة المباحثات استشرس الأجواء الفاشية والتي وصلت حد الاعتداء الجسدي على الرفيق عوفر كسيف من قبل نائب رئيس الكنيست، الذي من المفترض أن يكون مؤتمنا على الحفاظ على أجواء من نوع آخر في الكنيست أو بتأدية نشيد "عام يسرائيل لحاي" لمنع النائب وليد طه من التحدث باللغة العربية.
إذن، فإن الشراكة الحقة تكون مع الشجعان السابحين ضد تيار الإجماع الصهيوني، أما قوى المعارضة البرلمانية والتي تتراقص على أنغام التحريض العنصري لليمين الفاشي فقد سقطت في هذا الامتحان مرة أخرى، رغم إداراكها أنها تلعب في صالح خصمها، وتكرس تشبثه بالسلطة، ورغم هذا كله، علينا الانتباه إلى من هو خطر ومن هو أكثر خطورة، إذ لن أفاجأ بأن مهرجي أحزاب المركز-يمين قد يتساوقون مع مخطط الإقصاء، ويمشون معه على رؤوس أصابعهم حتى بلوغ الحافة فيتراجعون قبل السقوط بلحظة، ويمنعون الوصول إلى 90 صوتا ليغمى عليهم منتشين بضحكاتهم البلهاء مدعين أنهم راوغوا اليمين وسايروه لكنهم لم يضعوا المحكمة العليا والمنظومة القضائية أمام التحدي الكبير بمواجهة قرار الأغلبية المطلقة من أعضاء الكنيست، بل وقد يتبجحون ويحاولون تحميل عودة مسؤولية إفشال مخطط إقصائه، ويطالبون العرب بسد الدين الذي في رقابهم بالتصويت لهم، ومن ثم يبحثون عن معزوفة أخرى لليمين الفاشي ليتراقصوا على أنغامها.
وأما اليمين الأكثر فاشية وخطورة فلن ينام الليل حتى يسهّل أكثر فأكثر محاولات الإقصاء القادمة، كما بدأ قبل فترة وجيزة بالعمل على اشتراط الإقصاء بـ 80 صوتا فقط بدلا من الـ 90!
أما نحن، كجماهير عربية وقوى تقدمية يهودية فعلينا ألا ننسى أن المعركة الأساس اليوم، هي إيقاف مقتلة التجويع والإبادة وأن نرفع صوتنا ضدها، ومن هنا فإننا في الجبهة بالتعاون مع "شراكة السلام" ننظم غدا السبت قافلة سيارات تنطلق من الجليل والمثلث والنقب لتنتهي بتظاهرة عند حدود غزة.
هذا إلى جانب التحدي الوجودي بحماية الجماهير العربية ومنع اليمين من الاستفراد بها وعزلتها، مع كل ما يتطلبه ذلك من إدارة حوار وطني مسؤول لتعزيز الوحدة الكفاحية التي تحتمها الظروف الراهنة.