X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
01/11/2012 - 09:45:20 am
لا وألف لا لتجنيد المسيحيين العرب جوني منصور

ليست هذه هي المرة الأولى والوحيدة التي تحاول فيها المؤسسة الاسرائيلية طرح موضوع تجنيد المسيحيين العرب، إذ أن لها جولات وصولات سابقة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان مصيرها الفشل الذريع. ولكن بالرغم من الفشل الذي يصيب هذه المحاولات إلا أن اليأس لا يعرف طريقه إلى ربابنة المشروع الصهيوني ولا يرفعون ايديهم مطلقا عن محاولات جديدة أخرى. وها هي محاولة أخرى أشد شراسة من سابقاتها تنفذها المؤسسة الرسمية بحضور علني لكاهنين من أكبر طائفتين مسيحيتين عربيتين في الوطن، إضافة إلى عدد من أصحاب مناصب اجتماعية وتربوية وكشفية. والدعوة الأساسية هي الاعلان عن تجنيد مسيحيي الوطن للجيش الاسرائيلي. وتم جذب عدد من الشباب المسيحي من قرى ومدن الجليل للمشاركة في الاجتماع ومن ثم التجند في جيش الاحتلال الاسرائيلي.

قد يبدو هذا الخبر عاديا فيما لو لم تحضره شخصيات دينية وهي تمثيلية وليست ذات صفة شخصية بالمرة، وإلى جانبها رؤساء حركات كشفية وغيرهم. ولكن في واقع الأمر ان الخبر ليس عاديا، وأن الحدث ليس عاديا هو الآخر، إذ أن هناك مخطط رهيب لتفكيك وحدة المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل المؤلف من فسيفساء جميلة جدا، لسنا معتادين على تسميتها دينيا، لأن هذه الوحدة أثبتت مرة تلو الأخرى أنها الوصفة الوحيدة التي توفر الحماية لشعبنا بكل مركباته. لا تستطيع المؤسسة الاسرائيلية أن تدخل خدرها لتنام إلا بعد أن تفكك وتفتت وحدة الفلسطينيين في الداخل من باب الطائفية والمذهبية، أليس هذا ما تم في لبنان والعراق وما يجري الآن في سوريا الحبيبة؟!

والسؤال لماذا في هذا الوقت تحديدا؟ باعتقادنا أن التوقيت ليس هو الجوهرالذي يشغل بال وفكر المؤسسة الاسرائيلية، إنما ما يشغلها مسألة سر الوحدة والترابط والأخوة التاريخية والانسانية والوطنية والقومية والعيش معًا الذي يجمع ابناء الشعب الواحد بالرغم من كل الملمات والمصائب التي تعرض لها هذا الشعب الصامد.

ولا بد من موقف حازم تجاه كل من يروج لتجنيد المسيحيين العرب لإدعاءات متنوعة مهما كانت. فالمسيحيون العرب في الوطن هم عرب قبل ان يكونوا مسيحيين، وهم ابناء فلسطين منذ بدء الخليقة، وهم شهود على فلسطينيتهم من خلال تمسكهم بإيمانهم الديني وبقوميتهم العربية التي يعتزون بها ايما اعتزاز، إذ أنهم كانوا من أوائل الذين قبلوا المسيحية في العالم قاطبة. وشارك المسيحيون العرب اخوانهم المسلمين كل خبرات الحياة.

وأن المسيحيون العرب يرفضون حمل سلاح استعمل ويستعمل لقتل آبائهم وابناء شعبهم. استعمل في الماضي غير البعيد في عام 1948 لقتل الشعب الفلسطيني لغير ذنب اقترفه هذا الشعب سوى انه أحب وطنه وما يزال.  استعمل لقتل أبناء من عيلبون من مسيحيين ومسلمين، ولقتل شباب في الجش والمنصورة والبصة وحيفا(آخر شهيدة سقطت برصاص اليهود في حيفا كانت جولييت نايف زكا – هكذا كتب الأب بطرس فاخوري في سجل كنيسة الروم الكاثوليك).

المسيحيون العرب لن يحملوا السلاح ولن ينخرطوا في جيش اسرائيل الذي هجّر أهالي قرى كفر برعم وإقرث  والبصة والبروة والمنصورة وسحماتا ومعلول والدامون وسيرين وبيسان وطبريا وصفد....

ولن يحملوا سلاحا ولن يتجندوا في صفوف جيش يحتل أراضي شعبهم في الضفة الغربية ويحاصر أهلهم في غزة.

ولن يتجندوا في جيش دولة تقهر شعبهم يوميا، وتفرض حصارا عنصريا وحشيا لا شبيه له في تاريخ البشرية على الإطلاق.

كيف للمسيحيين العرب أن يتجندوا في جيش مؤسسة ترفض عودة أهالي قريتي برعم وإقرث بالرغم من قرار محكمتها العليا بذلك.

يقول بعض المتعاونين والمنتفعين من المسيحيين إن الاسلام يشكل خطرا عليهم، وأن خوفا مستول عليهم فلما لا يتجندون ليدافعوا عن أنفسهم؟ وهل قرأ هؤلاء التاريخ ليتعلموا منه شيئا لأنفسهم ولأولادهم؟ هل يعرف هؤلاء أن العرب الفلسطينيين ومعهم اليهود القدامى في فلسطين عاشوا في ظل الدولة العثمانية باحترام ودونما خوف أو قلق، واعتبرتهم الدولة مواطنين فيها؟ في حين أن من خدم اسرائيل لم ولن ينل شيئا إلا لما يعود بالفائدة على اسرائيل فقط. وهل نسى هؤلاء كيف ان جيش حكومة ايهود براك تقهقر ليلا في عام 2000 وانسحب مهزوما من لبنان تاركا وراءه المسيحيين الذين انخرطوا في صفوفه لمدة ربع قرن؟ أين هم هؤلاء المسيحيون الذين اعتقدوا ان اسرائيل حاميتهم؟ منهم من يقيم في البلاد متخذا اسماء مستعارة، ومنهم من تهود ومنهم من لم يجد لقمة عيشه فترك وهاجر إلى بلاد أخرى، في حين ان الذين طلبوا العودة إلى لبنان نالوا عفوا وتم احتضانهم بكل تفهم ومحبة وأخوة وطنية لبنانبة.

بالمقابل، وعلينا تذكير كل هؤلاء الذين شاركوا في هذا الاجتماع المرفوض والمنبوذ، أن المسيحيين العرب ليسوا إضافة على الشعب العربي الفلسطيني، إنما هم من صُلبه وجوهره. وأنهم ليسوا حالة طارئة، بل هم أبناء الوطن الاصليين. وأنهم ليسوا حالة مؤقتة، بل هم اصحاب وطن وأصحاب قضية.

ما حل على الشعب الفلسطيني من كارثة ومصيبة كبرى في عام 1948 تتحملها اسرائيل، كان على المسلمين والمسيحيين سواء. بل هناك من أجرى حسابات دقيقة فتبين ان ما نهبته اسرائيل من المسيحيين العرب كان بمقاييس كبيرة جدا. آلاف المحلات التجارية في حيفا والرملة واللد ويافا وبيسان وصفد وطبريا والقدس الغربية، وعشرات آلاف الدونمات من الأراضي في المدن والقرى، وصودرت كميات من الأموال والأملاك المنقولة لا تقدر بثمن. ولم تتوقف آلة النهب الاسرائيلية حيث استمرت في مصادرة الأراضي في الخمسينيات والستينيات لإدعاءات باطلة وكاذبة. وفقدت عشرات بل مئات العائلات العربية المسيحية  أملاكها على يد المؤسسة الاسرائيلية. وتم تحويل شباب العائلات المسيحية العربية إلى عمال بسطاء وموظفين عاديين في اسرائيل بعد ان كانوا اصحاب أملاك ومصالح، ولهم دور اقتصادي وسياسي وتربوي واجتماعي. واقتلعت آلاف العائلات من بيوتها وأراضيها بعد أن عاشت فيها آلاف السنين.

ومن ناحية أخرى، لا يمكن للمسيحيين العرب التجند في جيش دولة فعلت بهم هكذا فعلة أسوة بباقي أبناء الشعب العربي الفلسطيني على مر العقود الستة الأخيرة.

من هنا ندرك أن المشروع الصهيوني الاحتلالي خطير جدا على المسيحيين العرب كما هو خطير على باقي ابناء الشعب الفلسطيني. فاسرائيل نفسها عرّفت المسيحيين بأنهم عرب، وتتعامل معهم هكذا. فأي حقوق إضافية حصل عليها المسيحيون في اسرائيل بكونهم مسيحيين؟ لا شيء مطلقا. تمييز فاضح في قروض الاسكان، تمييز فاضح في التوظيف، وتمييز في فتح فرص جديدة للتعلم. في حين أن خدمة كبيرة وفرتها المؤسسات الخاصة القائمة والفاعلة في أوساط الطوائف المسيحية كانت ضمانة ومساهمة جليلة لكل أبناء شعبنا الفلسطيني لنيل تعليم راق وتربية كريمة. ولولا هذه المؤسسات التربوية لكان شعبنا العربي الفلسطيني أسير رحمة اسرائيل، غن كان لديها شيء من الرحمة.

وأمر إضافي يجب ان يعرفه كل عربي في كل أنحاء العالم العربي بل المعمورة، أن الإدعاء الاسرائيلي الدائم أن المسيحيين العرب لم يتعرضوا لأي شيء في عام 1948، وان عددهم بقي كما هو، هو إدعاء كاذب وباطل وملفق. والهدف من هذا الإدعاء واضح، لفسخ وحدة الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه. ولكن ببحث اجريناه من مدة تبين أنه في العام 1945/1946 بلغ عدد المسيحيين العرب في فلسطين 143 ألفا. منهم حوالي 50 ألف في الضفة الغربية. أي قرابة 90 ألف في فلسطين التي جُعلت اسرائيل لاحقا. ولكن في إحصاء اسرائيلي من العام 1949 أجراه مكتب الإحصاء المركزي في اسرائيل(وكان الأول الذي يجريه بعد إعلان إقامة اسرائيل)تبين أن عدد المسيحيين العرب لم يتجاوز الأربعين ألفا. معنى ذلك أن أكثر من 60% من المسيحيين العرب الفلسطينيين تم ترحيلهم عن وطنهم، وأصبحوا لاجئين ومشردين في لبنان والأردن وسوريا كباقي الشعب الفلسطيني. فلو لم تقع النكبة لكان عدد المسيحيين العرب في فلسطين في عام 2012 ما يزيد عن سبعمائة الف نسمة. ما هو عددهم اليوم؟ أقل من 130 ألفًا. فليجري كل واحد حساباته؟

مقالنا ليس في باب الدفاع عن المسيحيين العرب بقدر ما هو تعبير عن موقف وطني وقومي وإنساني نظيف ونقي وشفاف. وليس المسيحيون بحاجة في كل مرة إلى فتح صفحات التاريخ ليقولوا للناس من هم وما هي مواقفهم ومن هي أشهر الشخصيات القومية والوطنية التي كان لها دور عبر التاريخ العربي في القرن العشرين.  

وبالرغم مما جرى، حري بالقيادات السياسية والاجتماعية الوطنية الاستماع إلى اصوات الشباب المسيحي العربي والتعرف على همومهم ومشاكلهم وأزماتهم. هذا هو دورنا في عدم ترك اي فرد وحيدا ليلقى نفسه في احضان مروجي التجنيد أو الخدمة المدنية. 

لهذا، موقفنا هنا هو شجب واستنكار ورفض قاطع لقيام رجال دين مسيحيين ومسئولين وأصحاب مناصب بالاستجابة لدعوات التجنيد والترويج له(للتجنيد)، فهم بفعلتهم هذه لا يمثلون إلا أنفسهم، ولن نقبل بأن يمثلوا طوائفهم مستقبلا. ونشيد بكل أبناء شعبنا العربي الفلسطيني إلى عدم التخوين والقذف والتشهير والتعرض لكرامات الناس ، إنما السعي الحثيث إلى تعميق الوعي برفض مشاريع التجنيد بكل أشكالها سواء للخدمة المدنية أو العسكرية وما شابه، والعمل على تعزيز روح الوحدة الوطنية والقومية، ومطالبة رؤساء الطوائف المسيحية بإطلاق أصواتهم معارضين ورافضين اي مشروع تجنيد لأبناء شعبنا ما دام الصراع قائما، وما دامت اسرائيل دولة احتلال وقمع وقهر لشعبنا العربي الفلسطيني الأعزل والساعي بكل عزة وكرامة نحو تحقيق مشروع دولته.

وأيضا نتوجه إلى رؤساء الطوائف المسيحية بعدم السكوت عن اي رجل دين يتبع لهم يحاول ثانية مثل هذه المحاولة أو ما يشبهها، بل اتخاذ إجراءات صارمة للغاية تجاهه. ونرفض قطعيا قيام رؤساء فرق كشفية ورؤساء جمعيات اهلية بحضور اجتماعات من هذا القبيل، لأنهم بفعلتهم هذه لا يمثلون من هم منضوين تحت مسئولياتهم.

ونهيب برؤساء الطوائف المسيحية إلى الخروج من حالة النأي والإقصاء التي فرضوها على أنفسهم والتحفوا فيها، والسعي إلى الحق، لأن الحق يُحرر ولا يُقيد.

لهذا، لا وألف لا لتجنيد المسيحيين العرب، هذا هو شعارنا ولا تنازل أو تراجع عنه مطلقا.



Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت